الثلاثاء، 14 أبريل 2015

هو إبراهيم باشا الفرنجي (1493 أو 1494-1536) هو أول صدر أعظم يعينه سليمان القانوني بعد ارتقائه عرش الدولة العثمانية. اكتسب شهرته من صعوده السريع في الدولة، ودوره إبان ذروة توسعها في عصر القانوني، وظروف إعدامه الغامضة. 

ولد إبراهيم لأسرة مسيحية، قرب مدينة بارغا على الساحل اليوناني، وكان والده يعمل صياد سمك حين أُبعد عن أسرته، إما باختيارها أو باختطافه من قراصنة أو بنظام الدوشيرمة، وأُخذ إلى الأناضول، حيث دأب أولياء العهد العثماني على تلقي تعليمهم. 

هناك، لاحظ العثمانيون فطنة إبراهيم المبكرة ووسامته وشخصيته الجذابة فقربوه إلى مجايله سليمان ابن السلطان سليم الأول الذي اتخذه صديقاً، فيما سمحت العلاقة بين الاثنين لإبراهيم بتلقي تعليمه مع ولي العهد العثماني، ليكتسب مهارات معرفية منها اللغات المتعددة والثقافة الموسوعية. 

تقلد وعمره 28 عاماً منصب الوزير الأول (الصدر الأعظم) وذلك عام 1522[1] أو 1523[2] أو 1524[3]، خلفاً لبيري محمد باشا، الذي كان عينه في 1518 السلطان سليم الأول
ألقاب 

عرف إبراهيم باشا بأسماء متعددة بفضل ألقاب لحقت أو سبقت اسمه، إما تمييزاً له عن رجالات الدولة والصدور العظام الذين حملوا اسم "إبراهيم باشا"، أو لصفة أو منصب رافق تاريخه. 

فقد عرف باسم إبراهيم باشا الفرنجي (Frenk بالتركية، وتعني الغربي أو الأوروبي) نسبة إلى أصوله غير العثمانية، أما الأتراك والغربيون، فعرفوه باسم إبراهيم باشا "البارغالي" أو "برغالي" أو "برغلي" في إشارة إلى بارغا التي ولد فيها. 

بدايات إبراهيم المكللة بالنجاح، ثم نهايته الدموية على يد سيده، منحته لقباً ثالثاً، هو "المقبول المقتول". وبزواجه من خديجة (بالتركية: Hatice) شقيقة السلطان القانوني، بات إبراهيم يستحق لقباً إضافياً هو "داماد" الذي يُمنح تشريفاً لصهر السلطان، وأصبح واحداً من ثلاثة صدور عظام في التاريخ العثماني يحملون اسم "داماد إبراهيم باشا". 
ويجري التنويع على هذه الألقاب إما كلياً أو جزئياً، على نحو: "مقبول إبراهيم باشا" أو "إبراهيم باشا المقتول" أو "داماد إبراهيم باشا برغالي" 
بارتقائه سدة الحكم عام 1520، بات سليمان القانوني يعزز مكانة صديق صباه إبراهيم، الذي قابل ذلك ببرهنة مستمرة على مهاراته الدبلوماسية وبراعته العسكرية، ما جعله يصعد سريعاً في سلم الحكومة العثمانية، وذلك بدءاً من أول مناصبه المعروفة رئيساً للغرفة الخاصة للسلطان "خاص أوده باشي" وهي المهمة التي تجعل صاحبها الأقرب شخصياً إلى السلطان، و"الذي لا يفارقه أبداً"[1]. 

وحتى بعد تعيينه صدراً أعظماً للدولة العلية، وهو أهم منصب عثماني بعد السلطان، واصل إبراهيم باشا حصد الألقاب والمناصب، وتوسيع نفوذه في الدولة الآخذة بالتمدد، ما خوله سلطة شبه مطلقة تكاد تقترب من سلطة سيده.
لوحة للرسام الألماني "سيبالد بيهام" المعاصر لإبراهيم باشا مع خلفية لرسالة بعثها الأخير إلى قادة الجيش العثماني المحاصِرين لفينا عام 1529. 

وعسكرياً، شارك إبراهيم باشا في انتصارات الجيوش العثمانية، ورافق السلطان في الحملات التي قادها، في حين تولى بنفسه حملات أخرى كقائد للجيش. 

كما انتدبه السلطان للقضاء على تمرد أحمد باشا الخائن واليه على مصر، ولم يعد إبراهيم باشا من هناك إلا بعد أن وضع قوانين جديدة حافظت على استقرار مصر بصفتها أهم الولايات العثمانية في الشرق الإسلامي. 

وساهم إبراهيم الفرنجي في تحجيم نزعة البطش لدى السلطان سليمان، فقد أمر الأخير بقتل جميع أهالي حلب عقابًا على ثورتهم في بداية حكمه، فألغى إبراهيم باشا "هذا الأمر البربري واكتفى بقتل زعماء الثورة"[4]. 

على المستوى الدبلوماسي، حققت جهود إبراهيم باشا مع الغرب المسيحي نجاحاً واضحاً، ما جعله يظهر أمامهم كصانع أساسي في السلطنة العثمانية، وبموجب ذلك بات مسؤولو البندقية يطلقون عليه لقب "إبراهيم العظيم" لاعبين في ذلك على نغمة "سليمان العظيم" وهو الاسم الذي عرف به السلطان سليمان القانوني في أوروبا. 

وفي 1533، أقنع إبراهيم باشا شارل الخامس بتحويل المجر إلى دولة تابعة للدولة العثمانية، وفي 1535، أنهى اتفاقاً تاريخياً مع فرانسيس الأول منحت بموجبه فرنسا امتيازات تجارية داخل الأراضي العثمانية مقابل التحالف معها ضد آل هابسبورغ. 

كان هذا الاتفاق آخر أعمال إبراهيم باشا البارزة. 

بعد عودة الجيوش العثمانية إلى القسطنطينية قادمة من مواجهتها الأولى مع الدولة الصفوية، أمر السلطان سليمان بإعدام رجله الأول إبراهيم باشا، الذي عثر عليه ليلة 22 رمضان سنة 942 هجرية، 5 مارس[5] أو 14-15 مارس[3][6] عام 1536، مخنوقاً في غرفة نومه بقصر الباب العالي، أي بعد 13 عاماً من تعيينه صدراً عثمانياً أعظم. 

يذكر المؤرخون أن إبراهيم، قبل إعدامه بسنوات، توسل إلى السلطان أن يتمهل في ترقيته بغية عدم إثارة حسد وزراء ومسؤولي الحكومة الكبار، الأمر الذي قابله السلطان بأن أقسم على ألا يسمح للوشاية أن تأخذ طريقاً بينهما، وبعدم تعريض صديقه للموت الذي كان، في الدولة العثمانية، عقوبة معتادة للمسؤول المشتبه في تقصيره أو خيانته. 

إلا أن السلطان العثماني حصل على فتوى تجيز له الحنث بقسمه لقاء بناء مسجد في القسطنطينية، وواصل لسبعة ليال تناول طعام العشاء مع إبراهيم باشا لوحدهما، مانحاً إياه فرصة الهرب أو حتى أن يقتل السلطان بنفسه. 

وكشفت رسائل إبراهيم باشا التي كتبها قبل أيام من إعدامه، علمه بنية سيده، وقراره، رغم ذلك، البقاء وفياً للسلطان.
مسوّدة معاهدة عام 1536 المتمخضة عن المفاوضات بين السفير الفرنسي جان دي لا فوريه وإبراهيم باشا، قبل أيام قليلة من إعدامه. 

تاريخياً، يعد إبراهيم باشا واحداً من 22 صدراً أعظماً قضوا نحبهم بأوامر من سلاطينهم[7]، غير أن مكانته -قربه الشخصي الذي أمسى عائلياً من السلطان، ومنصبه- ثم الصلاحيات التي منحت له والأعمال التي أوكلت إليه، مع عدم وضوح الدافع الحقيقي لإعدامه؛ جعلت المؤرخين يقدمون عدة تفسيرات لنهايته المفاجئة.
الطمع بالعرش 

يستقر الكثير من المؤرخين على أن خشية القانوني من تعاظم نفوذ إبراهيم باشا هي السبب الرئيسي لاغتياله[8]، وهو ما اختصره الشاعر الفرنسي لامارتين بالقول "نهاية حياة إبراهيم لم تكن لأي سبب، ولا جريمة، سوى عظمته"[9][10]. 

ففي آخر نشاط عسكري له، كان إبراهيم قائداً أعلى لكافة الجيوش في مواجهة الإمبراطورية الفارسية الصفوية، ووقع بعض الأوامر العسكرية باسم "سر عسكر سلطان" ما عدّ خرقاً بروتوكولياً وتجاوزاً على المقام السلطاني، و"خشي السلطان أن تكون تلك الأعمال مقدمات لاغتصاب الملك لنفسه" خاصة مع "ازدياد نفوذه على الجند والقوّاد"[5] واتخاذه القرارات منفرداً دون التشاور مع الوزراء[11]. 

كما اتهم الصدر الأعظم بطمعه في عرش المجر، بل وبالعرش العثماني نفسه[12] "وهما تهمتان لم يقم عليهما برهان"[3]. 
تقترح مصادر أخرى أن إبراهيم كان ضحية لمؤامرات "خُرَّم" وهي ابنة كاهن أرثوذكسي أوكراني، بيعت كجارية وغدت لاحقاً الزوجة الثانية -والأثيرة- للسلطان سليمان القانوني، ومارست أدواراً مهمة ضمن ما يعرف بـ"سلطنة الحريم". 

ووفقاً للروايات، فإن السلطانة "خُرَّم" سعت لتقويض ثقة السلطان بإبراهيم باشا، خاصة مع دعمه منذ البداية لولي العهد مصطفى[8] النجل الأكبر للسلطان من زوجته الأولى "ماه دوران" والذي قضى هو الآخر إعداماً عام 1553، ليصير التاج العثماني، في نهاية المطاف، إلى سليم، ابن "خُرَّم". 

وفي رسالة بعثت بها إلى السلطان، كتبت خُرَّم[13]: 

إبراهيم باشا الفرنجي حين أقرأ رسالتك يكون ابنك محمد وابنتك مهرماه حولي يبكيان بدموع لا تنقطع. إن رؤية دموعهما تجعلني أجن... تسألني عن السبب في غضبي على إبراهيم باشا، وحين يجمعنا الله ثانية سأذكر لك السبب وستفهمني. 

أزمة التماثيل 

يعتقد مؤرخون أن إبراهيم ظل محافظاً على روابط مع جذوره المسيحية، وعمد إلى تقريب اليونانيين، وجلب والديه للعيش معه في العاصمة العثمانية؛ ما منح خصومه فرصة ترويج الإشاعات عن تمسكه بمسيحيته وخطورته على الدولة الإسلامية[14]. 

كان للتشكيك في عقيدة الصدر الأعظم ما يبرره في نظر بعض المؤرخين الذين لاحظوا أن حرص الصدر الأعظم الديني صار يتدني مع تعاظم قوته، وأن معظم أعماله الإسلامية كانت في آخر عهده، ربما لمواجهة الأقاويل حول ضعف إسلامه. 

وتقدم واحدة من الروايات مثالاً لما يمكن أن يؤدي إليه التساهل الديني. 

فبعد عودته من الحملة المظفرة في المجر عام 1526، جلب إبراهيم باشا من بودا ثلاثة تماثيل لشخصيات الآلهة الرومانية: أبولو وهرقل وديانا، وأقامها في باحة قصره. بالنسبة للعامة، الذين يطلقون على الصدر الأعظم اسم إبراهيم الفرنجي اعتماداً على أصوله الأوروبية، فإن هذا التصرف يدل على ضعف العقيدة، بل وأخطر من ذلك: تمسكاً بالجذور المسيحية. 

وسرعان ما انتشر في المجتمع العثماني بيت من الشعر نُسب إلى الشاعر فيجاني، وترجمته[15][16]:
في هذا العالم ظهر إبراهيمان الأول هَدَمَ، والآخر نَصَبَ الأوثان 

وفي ظل حكومة ومجتمع يرفعان شعار الإسلام، فإن لمثل حملات التشكيك هذه خطورة كبرى، بالنظر إلى أن السلطان العثماني، الذي يعد نفسه خليفة للمسلمين، ليس بوسعه احتمال عواقب صدر أعظم مشكوك في عقيدته. 
 يزعم المؤرخون العثمانيون أن إعدام إبراهيم باشا كان بسبب إساءته استخدام السلطة[8]، ويعتقد أن هذه التهمة ارتبطت على نحو خاص بعمليات الحرب العثمانية الصفوية التي سار إليها أولاً إبراهيم باشا، وكان يرافقه مسؤول الخزانة إسكندر جلبي الذي أُعدم بسبب ما قيل إنه فساد في تصريف الأموال، أو أخطاء ارتكبها في الحملة.
قصر إبراهيم باشا الفرنجي في إسطنبول. 

ويعتقد أن إبراهيم دفع، ولو متأخراً، ضريبة إعدام إسكندر جلبي، كما أنه بموجب القوانين العثمانية، فإن الصدر الأعظم هو صاحب الكلمة الأولى في عمليات الصرف، ويتحمل بالتالي المسؤولية النهائية لتبذير الأموال.
رحيل الحامية 

كانت والدة السلطان سليمان القانوني، عايشة حفصة سلطان شخصية ذات حضور قوي في الإمبراطورية العثمانية، ويُعتقد أنها، انطلاقاً من مفهوم "سلطنة الحريم"، كانت توفر حماية لزوج ابنتها خديجة، إبراهيم باشا؛ وبرحيلها فقد الأخير سنداً مهماً له وانتهى الأمر بإعدامه[6].
زوجة غيورة 

كان لإبراهيم باشا زوجة ثانية اسمها محسنة (Muhsine) وربما كان ضحية لغيرة زوجته الأولى، شقيقة السلطان، خديجة[6].
المكانة 

بإعدامه لإبراهيم، خسر السلطان سليمان المنظّر الأول والرئيسي له، والذي عمل منذ البداية على إعلاء صورة القانوني والترويج له بصفته الغازي المظفّر والمنافح عن الإسلام، والفاتح الجديد خلفاً للإسكندر الأكبر، البطل المفضّل لدى السلطان[8]. 

خروج إبراهيم من المسرح العثماني إبان خلافة السلطان القانوني يختتم الفصل الأول من عهد الأخير، والذي وصلت فيه الدولة إلى أقصى اتساع لها شرقاً وغرباً، وبدا أن "الإدارة الحازمة والثابتة التي ميزت تصريف أمور الدولة منذ عام 1523 إنما تجد تفسيرها في التعاون الوثيق بين العاهل وصدره الأعظم"[17]. 

ويمكن أن يقدم قصر إبراهيم باشا الذي تحول اليوم إلى متحف للفنون التركية والإسلامية في إسطنبول دلالتين: المكانة التي بلغها الصدر الأعظم، إذ يعد القصر الوحيد بهذا الحجم الذي يبنى لشخص من خارج الأسرة العثمانية، والتصميم الدفاعي الذي يفصح عن حجم العداوات التي كانت تهدد ساكنه. 

بمقارنة مكانته هذه مع خلفائه في الصدارة العظمى إبان عهد القانوني، فإنه "حتى تعيين محمد باشا سوكوللو، في أواخر العهد، فإن من شغلوا منصب الصدر الأعظم، رغم كونهم رجالاً قادرين غالباً، هم شخصيات جد باهتة بجانب إبراهيم باشا"[17]، ولم ينعم أحد منهم بالمكانة التي نعم بها والسلطة التي تمت له[3].
"حريم السلطان" 

أعاد المسلسل التركي "القرن العظيم" قضية إبراهيم باشا إلى الواجهة، بعد أن كان غير معروف إلا لدى المهتمين بالتاريخ العثماني، وقد ترجم المسلسل ودبلج إلى 11 لغة وبث لأكثر من 31 دولة نهاية عام 2011 وبداية 2012، وتابعه المشاهد العربي تحت اسم حريم السلطان. 

ورغم أن المسلسل يعلن، مع بداية كل حلقة، أنه يقتبس من شخصيات تاريخية، بما يعني عدم التزامه بالوقائع، غير أن الكثير من أحداثه تتسق مع أحداث الخلافة السليمانية كما وردت لدى المؤرخين، ومنها حياة إبراهيم باشا القصيرة. 

فعلاقة الصداقة الوطيدة بين السلطان وإبراهيم، وبزوغ نجم الأخير وصعوده السريع في سلم الحكومة العثمانية، بل وحتى شغفه بالموسيقى وتعلقه بأسرته اليونانية وزواجه من شقيقة سيده؛ عكسها المسلسل في حلقات متتابعة، وبالطبع مع حذف تفاصيل وإضفاء أخرى. 

كما أقيم في تركيا خلال عام 2011 معرض "عشق السلاطين" الذي تضمن 10 خطابات كتبها إبراهيم إلى السلطانة خديجة، وهي جزء من محتويات الأرشيف العثماني التابع لرئاسة وزراء تركيا
ظل مدفن الباشا موضع حيرة حتى الآن. فبرغم أن المعلومات المتوفرة حتى الآن أنه في حديقة مسورة صغيرة ملحقة بالفناء الخلفى لقصره إلا أن حقارة القبر وصغر مساحته وعدم دفنه في المقابر السلطانية قد أكثر من الاحتمالات والاقاويل حول مكان دفنه وهي كالاتى :
  • بارغا : مكان مولده... وذكر البعض أن إحدى وصاياه أن يدفن فيها.
  • الجزائر : ابعد ولاية عثمانية... حتى لا يتذكره السلطان.
  • مانيسا : أول مكان قابل فيه السلطان والذي كان تحت حكم الأمير مصطفى ولى العهد وربما كان دفنه هناك بطلب من مصطفى.